سورة المدثر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)}
{وَلِرَبّكَ فاصبر} قيل على أذى المشركين وقيل على أداء الفرائض وقال ابن زيد على حرب الأحمر والأسود وفيه بعد إذ لم يكن جهاد يوم نزولها وعن النخعي على عطيتك كأنه وصله بما قبله وجعله صبرًا على العطاء من غير استكثار والوجه كما قال جار الله أن يكون أمرًا بنفس الفعل والمعنى لقصد جهته تعالى وجانبه عز وجل فاستعمل الصبر فيتناول لعدم تقدير المتعلق المفيد للعموم كل ومصبور عليه مصبور عنه ويراد الصبر على أذى المشركين لأنه فرد من أفراد العام لا لأنه وحده هو المراد وعن ابن عباس الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه صبر على أداء الفرائض وله ثلثمائة درجة وصبر عن محارم الله تعالى وله ستمائة درجة وصبر على المصائب عند الصدمة الأولى وله تسعمائة درجة وذلك لشدته على النفس وعدم التمكن منه إلا زيد اليقين ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أسألك من اليقين ما تهون به على مصائب الدنيا وذكروا أن للصبر باعتبار حكمه أربعة أقسام فرض كالصبر عن المحظورات وعلى أداء الواجبات ونقل كالصبر عن المكروهات والصبر على المسنونات ومكروه كالصبر عن أداء المسنونات والصبر على فعل المكروهات وحرام كالصبر على من يقصد حريمه حرم وترك التعرض له مع القدرة إلى غير ذلك وتمام الكلام عليه في محله وفضائل الصبر الشرعي المحمود مما لا تحصى ويكفي في ذلك قوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حسباب} [الزمر: 10] وقوله صلى الله عليه وسلم «قال الله تعالى إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانًا أو أنشر له ديوانًا».


{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)}
{فَإِذَا نُقِرَ} أي نفخ {فِى الناقور} في الصور وهو فاعول من النقر عنى التصويت وأصله القرع الذي هو سببه ومنه منقار الطائر لأنه يقرع به ولهذه السببية تجوز به عنه وشاع ذلك وأريد به النفخ لأنه نوع منه والفاء للسببية كأنه قيل اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل في إذا ما دل عليه قوله تعالى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الكافرين} فالمعنى إذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين والفاء في هذا للجزاء وذلك إشارة إلى وقت النقر المفهوم من فإذا نقر وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد لفظًا بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلته في الهول والفظاعة ومحله الرفع على الابتداء ويومئذ قيل بدل منه مبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن والخبر يوم عسير فكأنه قيل فيوم النقر يوم عسير وجوز أن يكون يومئذ ظرفًا مستقرًا ليوم عسير أي صفة له فلما تقدم عليه صار حالا منه والذي أجاز ذلك على ما في الكشاف أن المعنى فذلك وقت النقر وقوع يوم عسير لأن يوم القيامة يأتي ويقع حين ينقر في الناقور فهو على منوال زمن الربيع العيد فيه أي وقوع العيد فيه وما له فذلك الوقوع وقوع يوم إلخ ومما ذكر يعلم إندفاع ما يتوهم من تقديم معمول المصدر أو معمول ما في صلته على المصدران جعل ظرف الوقوع المقدر أو ظرف عسير والتصريح بلفظ وقوع إبراز للمعنى وتقصي عن جعل الزمان مظروف الزمان برجوعه إلى الحدث فتدبر وظاهر صنيع الكشاف اختيار هذا الوجه وكذا كلام صاحب الكشف إذ قرره على أتم وجه وادعى فيما سبق تعسفًا نعم جوز عليه الرحمة أن يكون يومئذ معمول ما دل عليه الجزاء أيضًا كأنه قيل فإذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين يومئذ وأيًا ما كان فعلى الكافرين متعلق بعسير وقيل حذوف هو صفة لعسير أو حال من المستكن فيه وأجاز أبو البقاء تعلقه بيسير في قوله تعالى: {غَيْرُ يَسِيرٍ} وهو الذي يقتضيه كلام قتادة وتعقبه أبو حيان بأنه ينبغي أن لا يجوز لأن فيه تقديم معمول المضاف إليه على المضاف وهو ممنوع على الصحيح وقد أجازه بعضهم في غير حملا لها على لا فيقول أنا بزيد غير راض وزعم الحوفي إن إذا متعلقة بـ {أنذر} والفاء زائدة وأراد أنها مفعول به لا نذر كأنه قيل قم فانذرهم وقت النقر في الناقور وقوله تعالى فذلك إلخ جملة مستأنفة في موضع التعليل وهو كما ترى وجوز أبو البقاء تخريج الآية على قول الأخفش بأن تكون إذا مبتدأ والخبر فذلك والفاء زائدة وجعل يومئذ ظرفًا لذلك ولا أظنك في مرية من أنه كلام أخفش وقال بعض الأجلة إن ذلك مبتدأ وهو إشارة إلى المصدر أي فذلك النقر وهو العامل في يومئذ ويوم عسير خبر المبتدأ والمضاف مقدر أي فذلك النقر في ذلك اليوم نقر يوم وفيه تكلف وعدول عن الظاهر مع أن عسر اليوم غير مقصود بالإفادة عليه وظاهر السياق قصده بالإفادة وجعل العلامة الطيبي هذه الآية من قبيل ما اتحد فيه الشرط والجزاء نحو من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله إذ جعل الإشارة إلى وقت النقر وقال ان في ذلك مع ضم التكرير دلالة على التنبيه على الخطب الجليل والأمر العظيم وفيه نظر وفائدة قوله سبحانه غير يسير أي سهل بعد قوله تعالى عسير تأكيد عسره على الكافرين فهو يمنع أن يكون عسيرًا عليهم من وجه دون وجه ويشعر بتيسره على المؤمنين كأنه قيل عسير على الكافرين غير يسير عليهم كما هو يسير على أضدادهم المؤمنين ففيه جمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم وبشارة المؤمنين وتسليتهم ولا يتوقف هذا على تعلق على الكافرين بيسير نعم الأمر عليه أظهر كما لا يخفى ثم مع هذا لا يخلو قلب المؤمن من الخوف أخرج ابن سعيد والحاكم عن بهز بن حكيم قال أمنا زرارة بن أوفي فقرأ المدثر فلما بلغ فإذا نقر في الناقور خر ميتًا فكنت فيمن حمله وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت فإذا نقر في الناقور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى جبهته يستمع متى يؤمر قالوا كيف نقول يا رسول الله قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل وعلى الله توكلنا» واختلف في أن المراد بذلك الوقت يوم النفخة الأولى أو يوم النفخة الثانية ورجح أنه يوم الثانية لأنه الذي يختص عسره بالكافرين وأما وقت النفخة الأولى فحكمه الذي هو الاصعاف يعم البر والفاجر وهو على المشهور مختص ن كان حيا عند وقوع النفخة.


{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)}
{ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي كما روي ن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم بل قيل كونها فيه متفق عليه وهو يقتضي أن هذه السورة لم تنزل جملة إذ لم يكن أمر الوليد وما اقتضى نزول الآية فيه في بدء البعثة فلا تغفل ووحيدًا حال إما من الياء في ذرني وهو المروى عن مجاهد أي ذرني وحدي معه فأنا أغنيك في الانتقام عن كل منتقم أو من التاء في خلقت أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد فأنا أهلكه لا أحتاج إلى ناصر في اهلاكه أو من الضمير المحذوف العائد على من على ما استظهره أبو حيان أي ومن خلقته وحيدًا فريدًا لا مال له ولا ولد وجوز أن يكون منصوبًا بأذم ونحوه فقد كان الوليد يلقب في قومه بالوحيد فتهكم الله تعالى به وبلقبه أو صرفه عن الغرض الذي كانوا يؤمونه من مدحه والثناء عليه إلى جهة ذمه وعيبه فأراد سبحانه وحيدًا في الخبث والشرارة أو وحيدًا عن أبيه لأنه كان دعيا لم يعرف نسبه للمغيرة حقيقة كما مر في سورة نون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8